لم يفرض تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في الصومال، على غرار حركة "شباب المجاهدين"، تداعيات سلبية على أمن واستقرار الدولة فحسب، وإنما أدى أيضًا إلى ظهور جماعات محلية مسلحة، سعت بدورها إلى استغلال الاضطرابات الأمنية والسياسية، من أجل تعزيز وجودها في المناطق التي تتواجد بها. وقد بدا ذلك جليًا في ظهور ما يسمى بجماعة "أصحاب الإزارات"، وهى الجماعة التي بدأت في محاولة التصدي لنشاط حركة "الشباب" لمنعها من التمدد في مناطقها.
تنظيم غير تقليدي:
تعبر جماعة "أصحاب الإزارات" في الصومال عن نمط جديد من التنظيمات المسلحة غير التقليدية التي بدأت تظهر على الساحة. فمعظم المجموعات المسلحة التي تأسست في تلك المنطقة إما تنظيمات جهادية أو تكفيرية على غرار حركة "شباب المجاهدين" و"داعش"، أو تنظيمات قبلية، في حين أن "أصحاب الإزارات" تعد خليطًا من عناصر قبلية مختلفة لم تقبل القيود التي تفرضها حركة "الشباب" على أعمالها وتجارتها وسعيها إلى السيطرة على مواردها، خاصة فيما يتعلق بتجارة الفحم، التي تعتبر مصدر التمويل الرئيسي للجماعة، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى وصف تلك الجماعة بأنها مجموعة متمردة ضد نفوذ حركة "الشباب".
واللافت في هذا السياق، أن العناصر التي انضمت إلى تلك المجموعة المسلحة لا تلتزم بتوجه فكري معين، بل يمكن القول إن الأخيرة تتسم بخصائص فكرية وتنظيمية تبدو مختلفة، إلى حد كبير، عن التنظيمات الإرهابية والمسلحة التي ظهرت في الفترات السابقة. وهنا، فإن ذلك يؤشر إلى أن استمرار حالة عدم الاستقرار، على المستويين السياسي والأمني، سوف يزيد من احتمالات ظهور هذا النمط من الجماعات المسلحة، خاصة أن الضربات العسكرية التي تتعرض لها حركة "شباب المجاهدين" لم تنجح في تقليص نشاطها أو منعها من مواصلة محاولاتها توسيع نطاق نفوذها داخل الصومال.
كما أن المواجهات العسكرية التي اندلعت بين حركة "الشباب" والجماعة الجديدة تشير إلى أن العناصر التي تنتمي إلى الأخيرة تمتلك خبرات قتالية وتنظيمية لا تبدو هينة، لدرجة ساهمت في انتقالها من تبني سياسة دفاعية في مواجهة العمليات التي تشنها الحركة إلى شن هجمات استباقية مضادة في المواقع التي تسيطر عليها الأخيرة، على غرار الهجوم الذي نفذته ضد أحد المواقع التابعة للحركة في منطقة غولني بإقليم شبيلي الوسطى بجنوب الصومال، في بداية ديسمبر 2018، على نحو أسفر عن مقتل 8 من عناصر الحركة.
تأثيرات محتملة:
ربما يفرض ظهور هذا النمط من الجماعات المسلحة في الصومال تداعيات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- تصاعد حدة العنف: يبدو أن المواجهات الحالية التي تندلع بين حركة "الشباب" وجماعة "أصحاب الإزارات" سوف تتصاعد في الفترة القادمة، خاصة بعد أن تمكنت الأخيرة من إلحاق خسائر بشرية بالأولى، على نحو سوف يدفعها، في الغالب، إلى الرد عليها. لكن اللافت أيضًا في هذا السياق، هو أن المواجهات الحالية ربما لن تقتصر على الحركة والجماعة، وإنما قد تمتد إلى أطراف أخرى، لا سيما في حالة ما إذا اتجه الطرفان إلى الاستناد لظهير قبلي يمكن أن يساعد في تغيير توازنات القوى. وذلك لا ينفي، دون شك، أن حركة "الشباب" ما زالت تمتلك القدرات التنظيمية والعسكرية التي يمكن أن تساعدها في ممارسة ضغوط على الجماعة المناوئة، إلا أن الأخيرة بدأت تمتلك أيضًا الآليات التي يمكن من خلالها رفع تكلفة أى هجمات تشنها الحركة ضدها.
2- ظهور جماعات مسلحة أخرى: قد تدفع المواجهات الحالية إلى ظهور جماعات مسلحة جديدة تسعى إلى تبني السياسة نفسها التي اتبعتها جماعة "أصحاب الإزارات" في مواجهة حركة "الشباب"، وهو ما يعود إلى أن الأخيرة ما زالت تسعى إلى توسيع نطاق نفوذها في مناطق جديدة، على نحو سوف يزيد من حدة الاضطرابات الداخلية ويوفر المجال لظهور هذه الجماعات.
3- تحول نشاط الجماعة الجديدة: ربما تتجه الجماعة الجديدة إلى توسيع نطاق أهدافها، بحيث لا تقتصر فقط على مواجهة حركة "الشباب" وتقليص قدرتها على فرض سيطرتها على مناطق جديدة، وإنما تمتد أيضًا إلى ممارسة أنشطة موازية، بهدف الحصول على مصادر جديدة للتمويل، أو تعزيز النفوذ والتمدد والوصول إلى المواقع الرئيسية للحركة. وهنا، فإنها قد تنخرط، في مرحلة لاحقة، في عمليات ضد القوات الحكومية، على غرار ما تقوم به حركة "الشباب"، خاصة في حالة ما إذا اتجهت القوات الحكومية إلى مواجهة نشاطها واحتواء نفوذها.
4- تزايد الضغوط على "شباب المجاهدين": رغم أن الجماعة الجديدة لا تمتلك، حتى الآن، من القدرات ما يمكن أن يجعلها طرفًا موازيًا لحركة "الشباب"، إلا أن ذلك لا ينفي أن ظهور هذا النمط الجديد من الجماعات المسلحة سوف يزيد من حدة الضغوط التي تتعرض لها الحركة، باعتبار أنه يعني في المقام الأول توسيع نطاق خصومها داخل الصومال، ليشمل القوات الحكومية والتنظيمات الإرهابية، مثل "داعش"، والمجموعات المنشقة، على غرار مجموعة مختار روبو أبومنصور، إلى جانب الجماعات المسلحة الجديدة التي ترفض الاستجابة لمطالبها ومساعيها لتكريس نفوذها في الداخل.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن ما سبق يشير إلى أن تصاعد حدة العنف في الصومال سوف يبقى احتمالاً قائمًا خلال المرحلة القادمة، في ظل استمرار محاولات حركة "شباب المجاهدين" للتمدد في الداخل والوصول إلى مناطق جديدة، على نحو بات يضاعف من الاستياء المجتمعي والقبلي، والذي بدأ ينعكس في ظهور هذا النمط الجديد من الجماعات المسلحة، الذي ربما يؤشر إلى بداية مرحلة جديدة سوف تتبلور فيها خريطة أخرى للتنظيمات الإرهابية والمسلحة في الصومال.